الأحد، 15 مايو 2011

فاروق جويدة في النجم يبحث عن مدار

صورتنـــا وصوتنــــا بين المدار والجدار (ثنائية الانعتاق والانغلاق)
وجه جميل
طاف في عيني قليلا واستدار
ومضيت أجري خلفه
فوجدت وجهي في الجدار –المقطع الأخير في قصيدة فاروق جويدة: النجم يبحث عن مدار
    اقرأ كل القصائد، كل القصص والروايات، كل المسرحيات، كل الخواطر والتأملات، اقرأ كل أشكال الإبداع وألوانه، من بوابة الصوت والصورة.
    لأن حواسنا مقيدة، لأننا لا نرى إلا بقدر ما يستطيع البصر أن يمتد في الأفق البعيد، ولا نسمع إلا تردد الذبذبات في أمواج الأثير المحيط بنا في ذاك الأفق أيضا، لأننا نريد أن نتحرر من عجزنا وضعفنا، لأننا ندرك جيدا أننا لن نخرق الأرض ولن نطاول الجبال، لأن جدنا الأول كان في الجنة قبل أن يأتي إلى الأرض، فإننا نتطلع إلى كل ما هو بعيد، لأن الروح تسعى بلا حدود والحواس مكبلة بالقيود، لأن الإبداع هو الخروج من أسر العجز الحسي والنفسي والاجتماعي بل هو محاولة للخروج من المنطق المألوف، فإننا نتكلم بالصوت والصورة، تنطلق أصواتنا ساعية في الفضاء الممتد تأمل في اختراق الآفاق. ولكي لا يضيع الصوت يسكن في صورة.
    الأفق ليس حولنا فقط بل هو في أعماقنا، نحن نمتلك عالما رحبا نبصر فيه ملامحنا الروحية والذهنية والوجدانية التي لم تتشكل في الواقع، في العالم المحسوس الملموس، لكننا نكاد نرى هذه الملامح جملية واضحة متحررة بعيدة في مخيلتنا، في مناطق من أنفسنا، لا نتبينها ولكننا نتمنى أن نكون هكذا، نتمنى أن نقترب من هذا الكائن الجميل الذي نستحقه، الذي سيحبه كل من يراه مثلما نحبه، لأنه صادق تماما ونقي تماما ومخلص لكل القيم السامية، كائن يسعى للخير والصلاح والنبل، كائن يرى يقينه أمامه جليا، كائن يمنح البشر ما بيده ويعلم جيدا أن ما معه يزيد بالعطاء.
    هذا الكائن/ الوجه نراه في لحظة صفاء فنتعلق به ونظل عمرنا نسعى إليه، نجري في مداره، المدار ذاك الفضاء الخالي من الحواجز والسدود، ذاك الفضاء المنير بالنجوم التي تبتسم لنا عيونها وقلوبها ونحن نطوف بحثا عن حقيقتنا.
    ولكن تلك اللحظة الساطعة التي نتمناها تنغلق حين نخوض الرحلة فإذا بنا نرى وجهنا الذي نعرفه في ذاك الحاجز الواقعي الذي يحاصرنا ويسد أمامنا الطريق، ذاك الجدار.
    إن ثنائية (المدار/ الجدار) هي المدخل الفكري الذي ترتحل فيه بصائرنا ونحن نبحث عن وجه الإنسان في قصيدة فاروق جويدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق