الجمعة، 6 مايو 2011

عز الدين شكري في غرفة العناية المركزة وسرد الأضواء الكاشفة

أضواء السرد الكاشفة ونظارة مسرور السوداء:
    قراءة في الإعداد الروائي لثورة 25 يناير
    لكي تتقدم الأمم وترقى في درج الحضارة عليها أن تقرأ: تقرأ ما منحته السماء لنا من كلمات هادية، تقرأ الكتاب الكوني المتناسقة سطوره في جمال محكم،  تقرأ دفاتر أحوال التجارب التي دونها التاريخ في قصص الدول المتداولة أخبارها في سوق السياسة وميادين العمران، تقرأ النفس الإنسانية التي تبصر ما في أعماقها من حقيقة وتتعلل بالأعذار وتركن إلى الوهم القاتل.
    لكن كثيرا من الحكام لا يكترثون  بفن القراءة، ولا خبرة لديهم بمطالعة كتاب الوجود وسجلات المؤرخين، إنهم يتصورون أنفسهم على نحو مغاير للجميع، يتصورون أن جبل السلطة عاصم لهم من طوفان المظالم الصارخة الآتية من كل فج بالعواصم والمدن والسواحل والصعيد، إن كثيرا من الحكام لا تصافح بصائرهم نصوص الحياة ولا الرؤى الساطعة التي تبثها شمس الإبداع في سطور المؤلفين.
    هل انصت أحد أعضاء الحزب الذي كان حاكما في مصر قبل 25 يناير 2011 إلى الصوت الآتي أو طالع أحد الساسة عندنا هذه اللوحة القصصية:
    "بص حضرتك من الشباك، شايف عمال المسطحات المائية دول؟ طول النهار يضربوا كردون حوالين ورد النيل بالبراميل، وبعدين يلموا الورد في مراكب وينقلوه بره النيل، زي ما بيعملوا مع شبابنا بالضبط، بس كل يوم بيطلع لهم ورد جديد بره الكردون اللي ضربوه، فيروحوا يعملوا كردون على الورد الجديد ويلموه، يكون طلع ورد في المكان القديم، وهكذا. لما الورد كتر عليهم راحوا جابوا المكنة اللي شبه الونش دي، بس مش عارفين يعملوا إيه بيها! لو كان الورد ده شجر كبير كان الونش شاله في نص يوم، لكن حايعمل إيه الونش في شوية ورد متناثر ومالي سطح النهر كله؟ حاليا إحنا نظامنا عامل زي الشجر الكبير، ممكن لا قدر الله الحكومة تهده بالونش. أنا عايزة أغير نظامنا من الاعتماد على الشجر للاعتماد على الورد، على شبكة من الشباب إن شاء الله تبقى زي الورد." –عز الدين شكري: غرفة العناية المركزة – القاهرة – ط أولى – دار شرقيات – 2008م – 129
    من المؤكد أنهم لا يعرفون فن القراءة، ربما على العاملين في السياسة أن يذهبوا إلى دورات في النقد الأدبي وتذوق جماليات الكتابة والفنون المختلفة وتحليل النصوص وتفعيل إعمال العقل وإعادة منظور الرؤية مع المستجدات الاجتماعية التي شاركوا في صياغتها بالإيجاب أو السلب أو تركوها تنمو بعيدا عنهم حول البئر المعطلة متحصنين بالقصور المشيدة المصفوف حولها الحرس المتعب المنتمي إلى عالم الجفاف.
    إن الصوت السالف يمنحه الروائي عز الدين شكري لشخصية المحامية "داليا الشناوي" التي اتخذت أكثر من سبيل في الحياة وانتقلت من خانة "التحرر" الباريسي الستيني إلى موقع الأصولية الإسلامية في مطلع القرن الحادي والعشرين، إنها ترى الحياة في بلادها من خلال قراءتها لصورة جغرافيتها، صورة النيل شريان مصر وقد انتشر فيه الورد المتزاحم بلا توظيف ولا قيمة يمكن أن يؤديها في سياقه ولكي يستمر هذا السياق مكرسا لوجود سدنته يقوم بحصار هذا الورد ثم اقتلاعه، لكن الورد لا ينتهي، إنها سنة الحياة، إنه قانون التجدد، إنه زمن التغيير، تدرك المحامية أن المستقبل ليس للشجر العجوز المنهك الذي يكاد يموت واقفا وإنما هو للورد الصغير الزاحف بقوة إلى قلب البلاد متدفقا من شريان الأب في جسد الأم.
    يرسخ السرد الفكرة عن طريق الصورة، إنها المرآة التي تتجلى فيها الأفكار والإطار الذي يضم المواقف، يبدو التشبيه التمثيلي رائعا وساطعا في الفضاء الروائي، يبدو جسد المكان وكأنه خلية في صورة أشعة للوطن المريض، الورد الشباب والأشجار السلطة القديمة والونش القوة ونهر النيل أيقونة مصر في أذهان الأمم. أما الصوت فهو لشخصية تماثل الأم التي تبحث عن مستقبل الأبناء قبل أن يأتي يوم الصدام بين موقف الجيلين ويتمرد الورد على الشجر رافضا السلطة الأبوية المصطنعة التي لم تقدم له حياة وإنما تستهلك حياته لتحتفظ بمصدر الارتواء المادي والمعنوي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق