صوت الجاحظ يتردد في أفق اللسانيات والنقد
د. سيد قطب
دراسة مقولات القدماء تفيدنا في فهم النظرية المعرفية الآنية، وكثيرا من الآراء الأصيلة تظل تتردد في فضاء الإنسانية محاورة الناتج المعرفي المتجدد.
الجاحظ من هذه الأصوات التي تمتلك القدرة على الحضور في ساحة الفكر المعاصر والحوار مع النظريات اللسانية والنقدية الجديدة.
إن رأي الجاحظ في تصنيف البيان إلى خمسة أنواع (اللسان والخط والإشارة والعقد والحال) يلتقي مع مفهوم علم العلامات (السيميولوجيا أو السيميوطيقا) الذي دعا إليه عالم اللغويات فردنادند دو سوسير أو عالم المنطق بيرس، فعلم العلامات يدرس أشكال التواصل الرمزي كافة، بمعنى أن مادته تشمل الأبجديات التعبيرية المتعددة التي يمارسها البشر في التعبير ونقل المعرفة، إنه العلم الذي يعالج أنظمة التعامل الإنساني كلها مثل اللغة المنطوقة والمكتوبة والتخاطب بالإشارات كذلك إشارت المرور والموسيقى وأنماط الأزياء في ارتباطها بالمواقف ودلالات الألوان وقوانين الألعاب الرياضية التي تنطبق على المشاركين أيا كانت لغاتهم والفنون التشكيلية. ووجه الالتقاء بين نظرية الجاحظ البيانية ونظرية السيميولوجيين تتمثل في تأسيس علم يدرس أشكال البيان الإنساني التي يمارسها البشر ويضعون لها نظاما محددا يتم التعامل به من خلال المواضعة، أي الاتفاق على هذا النظام بوحداته وقواعده بين أفراد المجتمع الإنساني.
ومصطلح "التبيين" عند الجاحظ يمكن النظر إليه في ضوء نظرية النحو التوليدي التحويلي لتشومسكي إذا وضعنا في الاعتبار أن "التبيين" هو العمليات الذهنية التي يمارسها الفرد وهو يبحث عن الإمكانات اللغوية التي يمكن أن تحتوي أفكاره ومشاعره، باعتبار أن النحو التوليدي قدم للنظرية اللسانية المعاصرة مصطلحين في غاية الأهمية هما "الكفاءة" التي تعني قدرة الفرد على إنتاج اللغة من خلال الرصيد الذي يمتلكه و"الأداء" وهو الناتج اللغوي الفعلي الذي يتم في الممارسة الكلامية. فإذا نظرنا إلى مصطلح "التبيين" سنجد أنه عملية تحويل "الكفاءة" إلى "أداء"، إذ قد يتساوى البشر في الرصيد اللغوي ولكن القدرة على إنتاج الرسائل الفردية تختلف نتيجة المهارة الفردية في استخدام هذا الرصيد. بالتالي تتطلب البلاغة تدريبات بيانية هذه التدريبات ما هي إلا ممارسة عملية التبيين وتطوير نتائجها ليرتفع مؤشر الأداء الفردي.
ويقدم الجاحظ للنظرية السردية مقولات مهمة في "وجهة النظر" أو "المنظور" وذلك في رسالته "التربيع والتدوير" التي يتحدث فيها عن اختلاف الرؤية من شخص إلى شخص نتيجة اختلاف موقعه وموقفه وقدرته على قراءة انعكاس العالم في مخيلته ثم انعكاس الإحساس الإنساني على الموضوع الذي يتأمله العقل ثم انعكاس رؤية الإنسان في اللغة أو ما يمكن أن نطلق عليه نظرية "الحبر البراق".
كذلك ناقش الجاحظ قضية الفصحى والعامية في الإبداع السردي داعيا إلى محاكاة حديث الشخصيات بلهجاتهم داخل السرد فإذا كان القاص يقدم شخصية ريفية فإنه من الأفضل أن تتحدث هذه الشخصية بصوتها الريفي لأن اللغة عنصرا أساسيا في تصوير الشخصية وإنتاج المعنى.
د. سيد قطب
دراسة مقولات القدماء تفيدنا في فهم النظرية المعرفية الآنية، وكثيرا من الآراء الأصيلة تظل تتردد في فضاء الإنسانية محاورة الناتج المعرفي المتجدد.
الجاحظ من هذه الأصوات التي تمتلك القدرة على الحضور في ساحة الفكر المعاصر والحوار مع النظريات اللسانية والنقدية الجديدة.
إن رأي الجاحظ في تصنيف البيان إلى خمسة أنواع (اللسان والخط والإشارة والعقد والحال) يلتقي مع مفهوم علم العلامات (السيميولوجيا أو السيميوطيقا) الذي دعا إليه عالم اللغويات فردنادند دو سوسير أو عالم المنطق بيرس، فعلم العلامات يدرس أشكال التواصل الرمزي كافة، بمعنى أن مادته تشمل الأبجديات التعبيرية المتعددة التي يمارسها البشر في التعبير ونقل المعرفة، إنه العلم الذي يعالج أنظمة التعامل الإنساني كلها مثل اللغة المنطوقة والمكتوبة والتخاطب بالإشارات كذلك إشارت المرور والموسيقى وأنماط الأزياء في ارتباطها بالمواقف ودلالات الألوان وقوانين الألعاب الرياضية التي تنطبق على المشاركين أيا كانت لغاتهم والفنون التشكيلية. ووجه الالتقاء بين نظرية الجاحظ البيانية ونظرية السيميولوجيين تتمثل في تأسيس علم يدرس أشكال البيان الإنساني التي يمارسها البشر ويضعون لها نظاما محددا يتم التعامل به من خلال المواضعة، أي الاتفاق على هذا النظام بوحداته وقواعده بين أفراد المجتمع الإنساني.
ومصطلح "التبيين" عند الجاحظ يمكن النظر إليه في ضوء نظرية النحو التوليدي التحويلي لتشومسكي إذا وضعنا في الاعتبار أن "التبيين" هو العمليات الذهنية التي يمارسها الفرد وهو يبحث عن الإمكانات اللغوية التي يمكن أن تحتوي أفكاره ومشاعره، باعتبار أن النحو التوليدي قدم للنظرية اللسانية المعاصرة مصطلحين في غاية الأهمية هما "الكفاءة" التي تعني قدرة الفرد على إنتاج اللغة من خلال الرصيد الذي يمتلكه و"الأداء" وهو الناتج اللغوي الفعلي الذي يتم في الممارسة الكلامية. فإذا نظرنا إلى مصطلح "التبيين" سنجد أنه عملية تحويل "الكفاءة" إلى "أداء"، إذ قد يتساوى البشر في الرصيد اللغوي ولكن القدرة على إنتاج الرسائل الفردية تختلف نتيجة المهارة الفردية في استخدام هذا الرصيد. بالتالي تتطلب البلاغة تدريبات بيانية هذه التدريبات ما هي إلا ممارسة عملية التبيين وتطوير نتائجها ليرتفع مؤشر الأداء الفردي.
ويقدم الجاحظ للنظرية السردية مقولات مهمة في "وجهة النظر" أو "المنظور" وذلك في رسالته "التربيع والتدوير" التي يتحدث فيها عن اختلاف الرؤية من شخص إلى شخص نتيجة اختلاف موقعه وموقفه وقدرته على قراءة انعكاس العالم في مخيلته ثم انعكاس الإحساس الإنساني على الموضوع الذي يتأمله العقل ثم انعكاس رؤية الإنسان في اللغة أو ما يمكن أن نطلق عليه نظرية "الحبر البراق".
كذلك ناقش الجاحظ قضية الفصحى والعامية في الإبداع السردي داعيا إلى محاكاة حديث الشخصيات بلهجاتهم داخل السرد فإذا كان القاص يقدم شخصية ريفية فإنه من الأفضل أن تتحدث هذه الشخصية بصوتها الريفي لأن اللغة عنصرا أساسيا في تصوير الشخصية وإنتاج المعنى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق